بسم الله الرحمن الرحيم
أقدم لكم هذه الترجمة ، التي تتعلق بموضوع علم الفوضى ، ذلك العلم الذي طالما أثار الكثير من الطلبة و الباحثين و العلماء .
و لقد بدأ اهتمامي بعلم الفوضى منذ أن وقع بين يدي كتاب " الفوضى Chaos " الذي ألفه : James Gleick و ترجمه : سامي الشاهد ( و لي تحفظ على الترجمة ! ) ، ثم كتاب " الفوضى و الحتمية " الذي ألفه عدة علماء و ترجمه : هاني حداد .
فأردت أن أكتب تلخيصا لهما إلا أنني استصعبتُ الأمر ، حتى وقع بين ناظريّ موقع د ماثيو ثرمب الذي وجدت فيه هذا الموضوع الذي كتبه بشكل يسير و وجيز ، فاستعنت بالله و ترجمته . و ها أنا أقدمه لكم .
و أرجو أن تستمتعوا بالموضوع كما استمتعت به ، و كلي تطلع إلى آراءكم و تعقيباتكم على الترجمة .
يقع الموضوع في 14 صفحة ، و هو مكوّن من خمسة دروس لذلك سأقوم بطرحها تباعا إن شاء الله ، حتى لا يكون هناك استثقال أو ملل من القارئ .
تحياتي و أعتذر عن الإسهاب .
-----------------------------------------------------------
ما هو علم الفوضى ؟
مقدمة :
مرحبا بك أيها القارئ في درس " ما هو علم الفوضى ؟ ".
إننا نأمل أن تجدها طريقة مفيدة و شيقة للتعرف على أحد أشد المواضيع إثارة في العلوم الفيزيائية .
إن " الفوضى " كلمة ذات معنىً مخصصٌ في الفيزياء ، و هي ليست ما نعنيه بالفوضى في حياتنا العامة .
بالنسبة للفيزيائيّ ، فإن مصطلح " حركة فوضوية " لا يتعلق فيما إذا كانت حركة النظام الفيزيائي تظهر شديدة الاهتياج ، بل في الواقع فإن النظام الفوضوي قادر على أن يتطور بطريقة مرنة و منتظمة .
و بالأحرى فإن الفوضى تُعزى إلى قضايا تتعلق بما إذا كان بالإمكان التنبؤ بشكل دقيق بعيد المدى عن سلوك النظام .
خلال أربعة قرون في الفيزياء كانت القوانين الفيزيائية قد عكست الصلة التامة بين السبب و الأثر الناتج عنه في الطبيعة . و هكذا إلى فترة قريبة ، كان هناك افتراض بأن من الممكن دائما التنبؤ بشكل دقيق بعيد المدى عن أي نظام فيزيائي طالما أننا نعرف شروطه الابتدائية بشكل جيد .
إن اكتشاف الأنظمة الفوضوية في الطبيعة قبل ما يقارب المئة سنة أدى تقريبا إلى القضاء على ذلك الانطباع . و بعد إتمامك الدروس الخمسة لهذا المقرر سوف تفهم كيف تحقق ذلك و لماذا .
في الدرس الأول ، سوف تتعلم عن ( فلسفة الحتمية ) ، التي تمثل الاعتقاد الأساس في العلوم الفيزيائية و هو يقضي بأن كل سبب له أثر فريد ، و العكس صحيح .
كما في الدرس الثاني ، سوف تتعلم عن ( الشروط الابتدائية ) ، بمعنى كيف أن الفيزيائيين يعتمدون على القياسات الأولية لأي نظام . و باستخدام الخط الافتراضي الواصل بين السبب و النتيجة ؛ تُستخدم الشروط الابتدائية للتنبؤ بحالات النظام في أوقات متقدمة أو متأخرة .
أما في الدرس الثالث ، فستتعلم عن ( الارتيابية <اللاحتمية> في القياسات ) ، و هي المبدأ القائل إنه لا يمكن إجراء أي عملية قياس بدقة لانهائية .
و في الدرس الرابع ، سوف تتعلم كيف أن الحتمية ،و الشروط الابتدائية ، و الارتيابية في القياس ؛ هي السبب في حدوث "عدم الاستقرار الديناميكي" ، و الذي هو لأكثر الفيزيائيين تعبيرٌ مرادف للـفوضى .
أخيرا ، ستتعلم في الدرس الخامس ، كيف أن الحركة الفوضوية هي العامل في ظهور بنيات منظَّمة على نطاق واسع (large-scale ) .
الدرس الأول : فلسفة الحتمية :
الحتمية هي الاعتقاد الفلسفي بأن كل حدث أو فعل هو نتيجةٌ محتومة لأحداث أو أفعال تسبقها . و بالتالي – من حيث المبدأ على الأقل – فإن كل حدث أو فعل يمكن التنبؤ به كليا بشكل أمامي ( تقدمي ) أو خلفي ( نحو الماضي ) .
و يمكن أن نتقصى الحتمية بوصفها اعتقادا فلسفيا قي مادية الكون ، و ذلك منذ الزمن القديم الذي يعود إلى عصر الإغريق منذ آلاف السنين .
لقد اندمجت الحتمية مع العلم الحديث في سنة 1500 م على وجه التقريب ، مع توطـُّد الفكرة القائلة إن قوانين " السبب و النتيجة " تتحكم كليا في كل الحركات و البنيات في المستوى المادي .
بناء على النموذج الحتمي للعلوم ، فإن الكون يتجلى للعيان مع مرور الزمن كآلة متكاملة ، بلا اشتراك للعشوائية أو الانحراف عن القوانين المحتومة .
إن الشخص الذي كان قريبا جدا من توطيد الحتمية في لب العلوم الحديثة هو نيوتن ، الذي عاش في بريطانيا قبل 300 عام على وجه التقريب .
لقد اكتشف نيوتن مجموعة من المبادئ المختصرة، عبَّر عنها في جمل قليلة ، و بيَّن أنها تستطيع و بشكل مدهش التنبؤ بالحركة لتشكيلة متنوعة و واسعة من الأنظمة مع درجة عالية جدا من الدقة .
و برهن نيوتن أن قوانينه الثلاثة في الحركة - المجتمعة خلال عملية المنطق - بإمكانها التنبؤ بدقة بمدارات الكواكب حول الشمس ، و بشكل مسارات المقذوفات في الأرض ، و جدول مواسم مد المحيط طوال الشهر و السنة ، و غير ذلك من العديد من الأشياء .
إن قوانين نيوتن حتمية بالكلية لأنها تتضمن المفهوم القائل إن أي شيء يحدث في أي وقت في المستقبل هو حتما متصل بما يحدث الآن ، و زيادة على ذلك فإن كل شيء يحدث الآن هو مرتبط كليا بما حدث في لحظة ما في الماضي.
لقد حققت قوانين نيوتن الثلاثة نجاحا باهرا لعدة قرون بعد اكتشافها ، و قد أظهر علم الفيزياء بوضوح كيف تستطيع قوانينه أن تحسب للمراقب حركة أي عملية فيزيائية يمكن تصورها تقريبا .
و على الرغم من أن قوانين نيوتن قد أُبطلت قرابة العام 1900 م بمجموعة أكبر من القوانين الفيزيائية ؛ إلا أن الحتمية تبقى اليوم كهدف و لبّ فلسفي للعلوم الفيزيائية . </SPAN></SPAN>
</SPAN></SPAN>
و إلى الدرس الثاني :
الدرس الثاني : الشروط الابتدائية :
من بين أهم الابتكارات التي ساهمت في إنشاء العلوم الحديثة في العام 1500 م تقريبا هي تلك الفكرة القائلة : إن القوانين التي تحكم الكون المادي يمكن أن تفهم بشكل ذي مغزى فقط إذا تم التعبير عن الخصائص الفيزيائية بوصفها قياسات محددة ، أي في حدود رقمية و ليس في ألفاظ تعبيرية فقط .
إن استخدام القياسات الرقمية لوصف العالم الفيزيائي هو السبب في كون القوانين الفيزيائية يجب التعبير عن أنها في النهاية معادلات رياضية ، لا تراكيبا لفظية متواضعة .
فعلى سبيل المثال ، و على الرغم من أن قوانين نيوتن قد تم التعبير عنها في كلمات ؛ إلا أنه من أجل أن يتم تطبيقها لدراسة نظام محدد فإنه من الضرورة أن تستعمل تلك القوانين في صيغها الرياضية .
إن قوانين نيوتن هي أهم مثال – على وجه التقريب – للقوانين الديناميكية ، بمعنى أنها تربط القيم العددية للقياسات في زمن محدد بالقيم في زمن آخر متقدم أو متأخر .
إن القياسات التي تظهر في قوانين نيوتن تتعلق بشكل خاص بالنظام المدروس ، و لكنها أنموذجيا تتضمن الموضع ، و السرعة ، و اتجاه الحركة لكل الأجسام في النظام ، و كذلك مقدار القوة و الاتجاه لأي قوى تطبَّق على تلك الأجسام ، في أي زمن معطى لتاريخ النظام .
في التعبير عن القياسات المخصصة لنظام مُعطى ( سواء أكان النظام الشمسي ، أو جسما ساقطا على الأرض ، أو تدفقات المحيط ) فإن القيم التي تم قياسها في وقت ابتدائي يُعبَّرُ عنها بمصطلح " الشروط الابتدائية " للنظام .
لذا ، كقوانين ديناميكية ، فإن قوانين نيوتن حتمية لأنها تتضمن أنه لأي نظام معطى ، فإن الشروط الابتدائية نفسها سوف تعطي دائما نتيجة متطابقة .
إن أنموذج نيوتن للكون كثيرا ما يشبَّه بلعبة البليارد ، حيث إن النتائج تظهر رياضيا من الشروط الابتدائية في الطريقة المحددة سلفا . مثل الحركة التي يمكن أن تجري إلى الأمام أو إلى الخلف مع الزمن .
إن لعبة البليارد هي مقياس مفيد للتماثل ، لأنه في المستوى الميكروسكوبي فإن حركة الجزيئات يمكن أن تقارن بتصادمات كرات البليارد ، و بالقوانين الديناميكية نفسها المنفذة في الحالتين . </SPAN></SPAN>
ثم إلى الدرس الثالث :
و للجميع أطيب التحايا و أصدقها ...