eng_scofield المدير
المساهمات : 108 تاريخ التسجيل : 26/06/2008 العمر : 35
| موضوع: شوؤن المغتربيبن العرب الأحد يونيو 29, 2008 6:35 am | |
| شوؤن المغتريبين العربكيف وصلت السيدة لطيفة إلى دار العجزة وكبار السن الواقع في إحدى ضواحيملبورن ، لا أحد يعرف السبب ، حتى هي نفسها لا ترغب في الحديث عن الأسباب التي أدتبها إلى العيش في هذه الدار ، ولا الحديث عن الأسى الذي يضفي على ملامحها لمسة حزنوعذاب . فيكل صباح تخرج متمشية ببطئ ، وتعرج على قدميها الواهنتين ، لتزور السوق الصغير فيالحي ، والقريب من شاطئ البحر ، لتجلس على مقعد في الرصيف هناك ، وبصحبتهاأكورديونها القديم ، والذي تربطه بها علاقة حميمة من نوع آخر ، علاقة يصعب على منلم تضطهده الحياة ولم يقرصه القدر ويسقيه مر العذابات أن يفهم سرها ، وماذا تعنيبالنسبة للسيدة لطيفة ، فها هي تملأ المكان بألحانها العذبة الجميلة والمتألمة فينفس الوقت ، تعزف للمارة قطعاً موسيقية نادرة ، تشدك إليها بقوة ، ولا يمكنك أنترفض دعوتها لروحك بالتحليق مع أنغامها ، عالياً ، كطير يُفتش عن أمه التي أضاعهافي غمرة الحياة ومشاكلها ، وعن بقية دفء وحنان افتقدهما ، هكذا تتسمر في مكانك وأنتتنظر إلى أمواج البحر ، لتعيدك إلى أيام زمان ، أيام الألفة والمحبة ، أيام التفانيوالترابط العائلي وصدق العلاقات البشرية . هذه الموسيقى والألحان الناعسة الرقيقة ،استحوذت على نفسي وجذبت اهتمامي ، حيث وصلت إلى مسامعي من بعيد ، وعندما وصلت إلىحيث مصدر الصوت ، كانت مفاجأة لي ، فالذي يعزف هي امرأة عجوز تجاوزت السبعين منعمرها ، ولكنها ما زالت تحتفظ ببعض من جمالها وقوتها . انقبضت روحي وتألمت نفسيعندما وقعت عيناي عليها ، فكرت بأن أرمي لها ببعض النقود في غطاء الأكورديون الذيفرشته على الأرض ، بشكل عشوائي ، حيث كانت هناك بعض النقود المتناثرة على أطرافجوانبه . نظرت إليها بإمعان وتأمل وتملكتني غصة وذابت مشاعري بتألم عندما بادلتنيالنظرات وبدأت أرى بوضوح تجاعيد وجهها التي رسمتها أيام العمر ، وصعوبة الحياة وقهرالأيام ، ناهيك عن الآلام التي يهديها إلينا أقرب الناس إلى قلوبنا . شيء آلمنيجداً في هذه المقارنة ، وسرت في جسدي القشعريرة ، لمجرد التفكير ، بأن وراء هذهالتجاعيد وهذا الحزن الذين يرتسمان على وجه امرأة قطعت كل هذه السنين ، هو الجحودونكران الجميل ممن وهبتهم حياتها وعقلها وفكرها ، وعندما وقفوا على أرجلهم واشتدتسواعدهم ، تنصلوا من الوفاء لمن قدمت لهم يد المساعدة والعون . كيف لا ونحن نقرأونرى ونسمع الكثير من هذه المشاهد اليومية المؤلمة . اقتربت منها، وبصوت خافت شكرتها على روعة عزفها ، وصدق أحاسيسها التي تنزف ، عبر اللحن الحزينالذي انتهت من أدائه للتو ، لم أكذب عليها أو أجاملها ، فعلاً كانت تعزف موسيقىخالدة ورائعة ، موسيقى لا يمكنك سماعها في غير هذا المكان ومن غير هذه الإنسانيةبالذات ، حقيقة إنها تعزف بإتقان وسحر غريب ، يسيطر على مشاعرك ، فتقف مشدوهاً وأنتتستمع إلى أنغامها وتنظر إلى حركات يديها وأصابعها وهي تضغط على مفاتيح الأكورديون، وتتمايل مع اللحن ، إنه السحر بعينه . بعينين دامعتين فيهما وميض عرفان وشكر نظرت إليّ، وهي تتابع عزفها للحن ينتمي إلى عالمها الخاص ، لحن يعود بها إلي تلك الأيامالجميلة ، المليئة بذكريات سعيدة وحزينة في آن واحد .- ماذا تحب أنتسمع لأعزف لك ؟سألتني بلكنة إنكليزية متقنة ، وبصوت يتهدج ويئن من الألم ، ( يبدو أننيذكرتها بمن فقدتهم وابتعدوا عنها تاركين الأسى والحزن والحسرة مؤونتها للأيامالقادمة ) .عيناها الدامعتان .. نظراتها ، تسافر عبر الأفق البعيد ، وزرقة البحروالطيور المحلقة في السماء ، محملة إياها موسيقاها وألحانها التي تتحدث عن ذكرياتوزمن بعيد . - أي شيء يا سيدتي .اخوكم في اللهمحمد | |
|